منذ قرون، والمجتمعات تُدوِّن، بصوت مرتفع أحيانًا وبهمس أحيانًا أخرى، ما يُفترض أن يفعله كل من الزوج والزوجة. الرجل يعمل، المرأة ترعى. هو يقود، هي تتبع. كأن الزواج عقد مقسَّم مُسبقًا لا يحق لأحد أن يعيد النظر فيه. لكن الحياة الواقعية أكثر تعقيدًا من هذه القوالب، وأكثر تنوعًا من أن تُختصر في جملة من الأدوار الثابتة.
في العلاقة الناضجة، لا توجد وصفة جاهزة. الأدوار لا تُفرض، بل تُبنى، يُتفاهم عليها، ويُعاد صياغتها بحسب الحاجة والمرحلة. قد تكون الزوجة أكثر قدرة على إدارة المال، أو الزوج أكثر حساسية تجاه تفاصيل الأطفال. وقد يتبادلان هذه الأدوار دون أن يفقد أحدهما احترامه أو قيمته. فالزواج ليس ساحة لفرض السلطة، بل مساحة لتبادلها بوعي.
عندما يتمسك أحد الطرفين بدور تقليدي فقط لأنه “المعتاد”، دون أن يُسائل إن كان ما يزال مناسبًا، تنشأ فجوة بين الواقع والمفروض. وتبدأ المعاناة في الصمت، حيث يؤدي كل شخص ما يُتوقع منه، لا ما يستطيع أو يريد حقًا أن يقدمه. وتصبح العلاقة عبئًا من الأدوار، لا حوارًا من التعاون.
من يحدد الأدوار إذًا؟ لا المجتمع، ولا العائلة، ولا الموروث وحده. بل الطرفان معًا. بالحوار، بالتجربة، بإعادة التفاوض كلما تغيرت الظروف. لا عيب في أن تتغير الأدوار، بل العيب أن تبقى كما هي لمجرد الخوف من كلام الآخرين.
إن قوة العلاقة لا تُقاس بمن يفعل ماذا، بل بكيفية قيام كل طرف بما يقوم به، وبقدر ما يشعر بأنه مرئي، مُقدَّر، ومسموع. الزواج الحقيقي ليس توزيعًا للمهام، بل توزيعًا للمحبة، للثقة، وللنية في بناء حياة لا تعترف بمن الأقوى، بل بمن الأوفى في الحضور.