ما الفرق بين الألم النفسي والصدمة النفسية؟
يخلط الكثير من الناس بين الألم النفسي والصدمة النفسية، رغم أن الفرق بينهما جوهري وعميق.
فالألم النفسي هو جزء طبيعي ومتكرر من التجربة الإنسانية، ينشأ عن مواقف حياتية مؤلمة كفقدان وظيفة، أو نهاية علاقة، أو خيبة أمل بعد انتظار طويل، وهو وإن كان موجعًا، إلا أن الإنسان غالبًا يستطيع التعامل معه من خلال التأمل، أو التفريغ العاطفي، أو الاستعانة بدائرة الدعم القريبة منه. ومثاله شاب اجتهد طوال سنوات دراسته الجامعية ولم يُقبل في الوظيفة التي حلم بها، شعر بخيبة أمل وانطفأ بداخله شيء من الحماس، لكنه استطاع لاحقًا أن يستعيد توازنه، يعيد ترتيب أهدافه، ويواصل طريقه.
أما الصدمة النفسية فهي أعمق وأخطر، إذ لا تأتي من المواقف اليومية المعتادة، بل تنشأ عن أحداث مفاجئة وعنيفة تهز كيان الإنسان، كأن ينجو من حادث مروّع، أو يفقد شخصًا عزيزًا في لحظة قاسية، أو يعيش تجربة مرعبة تزلزل إحساسه بالأمان. في هذه الحالة لا تكفي محاولات المواساة ولا الدعم البسيط، لأن الصدمة تترك شرخًا داخليًا يتجاوز طاقة التحمل، وقد يظهر أثرها في هيئة كوابيس، نوبات هلع، تجنب اجتماعي، أو حتى اضطراب ما بعد الصدمة. ومثال ذلك فتاة نجت من حادث سير عنيف وفقدت فيه أعز أصدقائها، ومنذ تلك اللحظة أصبحت غير قادرة على ركوب السيارة وتعاني من توتر دائم عند سماع أي صوت مفاجئ.
الفرق بين الألم والصدمة لا يكمن فقط في شدتهما، بل في طبيعتهما أيضًا، فالألم يتكرر في حياة الإنسان بأشكال متعددة وقد يكون جزءًا من نضجه وتكوينه النفسي، بينما الصدمة أقل تكرارًا لكنها إن حدثت، غيّرت في الإنسان شيئًا عميقًا لا يُرمم بسهولة.الألم يمكن احتواؤه ومواجهته بوعي ودعم بسيط، أما الصدمة فتتطلب غالبًا تدخلاً متخصصًا وعناية نفسية دقيقة.
ومن هنا، فإن إدراك الفرق بين النوعين لا يساعد فقط في الفهم، بل يفتح باب الشفاء الصحيح، ويمنح الإنسان فرصة للتعامل مع ذاته برفق وعدل، دون تقليل من ألمه أو تجاهل لعمق معاناته