كيف تتعامل مع مشاعر البداية ؟

كيف نتعامل مع مشاعر البداية؟

البدايات دائمًا تحمل في طيّاتها شيئًا من الغموض… لحظة أولى لا نعرف هل نفرح بها أم نرتبك منها.
هي مثل الوقوف على عتبة باب جديد: خلفك كل ما تعوّدته وألفته، وأمامك طريق لم تُضاء معالمه بعد. القلب يخفق أسرع، والعقل يزدحم بالأسئلة، والنفس تبحث عن طمأنينة لم تجدها بعد.

مشاعر البداية ليست ضعفًا كما يتخيّل البعض، بل هي الدليل على أننا ندرك قيمة ما نحن مُقدمون عليه. هي الشهادة بأننا أحياء، نشعر ونخاف ونرجو في آن واحد. كل بداية، سواء كانت عملًا جديدًا، تجربة مختلفة، أو حتى علاقة إنسانية، تُشبه ولادة جديدة لجزء من أرواحنا.

لكن ما يجعل هذه الرحلة أكثر سهولة هو حين تأتي البداية في صورة صداقة. الصداقة لا تُطالبنا أن نكون مثاليين، لا تُحمّلنا عبء التزامات ثقيلة، ولا تُقيدنا بقوانين جامدة. الصداقة تسمح لنا أن نكون كما نحن، بضحكاتنا العفوية، وأخطائنا الصغيرة، وصمتنا حين يعجز الكلام. ومن هذه الأرض الخصبة، يمكن للحب أن ينمو طبيعيًا، بلا تصنّع ولا خوف.

العلاقات الزوجية التي تولد من الصداقة تُشبه الشجر الذي نبت في تربة خصبة: جذوره عميقة في الثقة، وأغصانه ممدودة بالرحمة، وثمارها أكثر نضجًا ودوامًا. لأنها لم تبدأ من واجب “يجب أن تفعل” و”يجب أن ألتزم”، بل من مساحة حرة أعطت لكل طرف حق أن يكون نفسه بلا أقنعة.

التعامل مع مشاعر البداية إذن، ليس في الهروب منها أو إنكارها، بل في مصاحبتها. أن نجعلها صوتًا يذكّرنا أننا في مرحلة جديدة تستحق التمهّل والصدق. أن نفهم أن القلق سيزول مع الوقت، وأن الخوف سينحسر كلما امتلأت القلوب بالثقة، وأن الارتباك نفسه يتحول إلى ذكرى جميلة حين ننظر إلى الخلف بعد سنوات.

البدايات لا تحتاج منا أن نكون جاهزين مئة بالمئة، بل أن نكون صادقين. أن نسمح لمشاعرنا أن تظهر، ونشاركها مع من نثق بهم، ونبني خطواتنا على الطمأنينة لا على التظاهر بالقوة.

وفي النهاية، أجمل البدايات ليست تلك التي خلت من التردد، بل تلك التي واجهنا فيها ارتباكنا معًا، خطوة بخطوة، حتى صار الخوف حكاية، والبداية رحلة، والرحلة بيتًا يسكنه حبّ نقي بدأ من صداقة صافية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *