التفريغ العاطفي

التفريغ العاطفي: صمّام الأمان النفسي في حياة الإنسان

في زحمة الحياة، وفي ضجيج المسؤوليات اليومية، يعتاد الإنسان أن “يُجيد التحمل”.
يُخفي ما يشعر به، يؤجل حزنه، يكتم غضبه، ويقمع ضعفه…
حتى يغدو جسده متوترًا بلا سبب، ونومه قلقًا بلا راحة، ونفسه مثقلة بما لا يُقال.

لكن الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون هي أن الإنسان، مهما بدا قويًا، ليس مُعدًّا نفسيًا للتخزين المستمر.
النفس تحتاج إلى “تنفيس”، إلى تفريغ، إلى لحظة يُسمح فيها للعاطفة بأن تُقال، لا أن تُكبت.

التفريغ العاطفي هو تلك المساحة التي تُمنح للمشاعر كي تخرج بأمان، دون خجل أو تبرير.
هو البكاء الذي نؤجله، الحديث الذي نخاف أن نبوح به، الصرخة التي نكتمها، أو حتى تنهيدة طويلة في قلب الليل… تلك اللحظات التي نسمح فيها لأنفسنا بأن تكون حقيقية.

وليس المقصود بالتفريغ أن نغرق في الحزن أو نستسلم للضعف، بل أن نسمح للمشاعر بأن تأخذ حقها في الظهور والمرور، كي لا تتحول إلى أوجاع مزمنة أو توتر داخلي مستمر.

فمن لا يُفرّغ مشاعره بشكل صحي، قد يُفرّغها لاحقًا بطرق خاطئة:
نوبات غضب، انسحاب من العلاقات، توتر جسدي، أو حتى أعراض جسدية لا يُعرف لها سبب طبي واضح.

وهنا تظهر أهمية وجود بيئة آمنة يُمكن فيها للإنسان أن يتحدث دون أن يُحاكم، أن يبكي دون أن يُقال له “تماسك”، أن يُخطئ دون أن يُجرّد من قيمته.

إن التفريغ العاطفي هو سلوك ناضج، لا دليل ضعف.
بل هو ممارسة صحية تُعيد التوازن الداخلي، وتمنح النفس فرصة للتنفس من جديد.

ولهذا، علينا أن نُربّي أبناءنا لا على الكتمان، بل على التعبير.
وأن نختار لأنفسنا مساحات نُفرّغ فيها ما لا نستطيع حمله طويلاً: جلسة مع صديق واعٍ، أو لحظة كتابة، أو حتى حديث صادق مع الذات أو مع الله.

لأننا في نهاية المطاف، بشر…
نحتاج أن نُحس، أن نُخطئ، أن نبكي، أن نتعب…
ثم نُفرّغ كل ذلك، وننهض بخفة الذين لا يحملون في صدورهم أكثر مما تحتمل القلوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *