الصدمة النفسية: حين يهتز الداخل بصمت
ليست كل الجراح تُرى، ولا كل نزيف يترك أثرًا على الجسد.
هناك نوع من الألم يسكن الأعماق، لا يُقال، ولا يُشار إليه، لكنه يترك صاحبه هشًا من الداخل، كأنه يتحرك في الحياة على حافة انهيار خفي… ذلك هو ما يُعرف بالـ صدمة النفسية.
الصدمة النفسية ليست مجرد لحظة مؤلمة، بل هي أثر نفسي عميق يحدث نتيجة تجربة قاسية تفوق قدرة الإنسان على الاستيعاب والتكيّف، كفقدان مفاجئ، عنف جسدي أو لفظي، حادث مؤلم، خيانة، أو حتى مشاهدة شيء يهزّ الثقة بالواقع أو بالناس.
يعتقد البعض أن الصدمة النفسية مرتبطة بالحروب أو الكوارث الكبرى فقط، لكن الحقيقة أن الإنسان قد يُصاب بها وهو جالس في بيته، حين يسمع كلمة جارحة من أقرب الناس، أو حين يُخذل في لحظة كان فيها بأمس الحاجة للاحتواء.
ما يميّز الصدمة النفسية هو أنها تُربك النظام النفسي بالكامل.
فتجد المتألم مشوّشًا، لا يثق بأحد، يخاف من المجهول، وربما يعاني من اضطرابات في النوم، نوبات هلع، فراغ داخلي، أو حتى تنميل في المشاعر.
يعيش ما يُشبه الانفصال عن ذاته، كأن الحياة تمضي من حوله دون أن يكون فيها حقًا.
الصدمة لا تقاس بحجم الحدث، بل بمدى أثره على النفس.
فما يُمكن أن يمرّ به شخص مرور الكرام، قد يخلّف في شخص آخر جرحًا يستمر لسنوات.
التعافي من الصدمة لا يعني النسيان، بل يعني القدرة على استيعاب ما حدث دون أن يتحكم فيك، أن تتذكّر دون أن تنهار، أن تتعامل مع العالم من جديد دون خواء أو خوف مفرط.
وهنا، تأتي أهمية الدعم النفسي، سواء من مختصين أو من بيئة آمنة تمنح الشخص مساحة ليعبّر، ليتنفّس، ليبكي، دون حكم أو استعجال.
لأن الجملة الشائعة: “تجاوز الأمر وانسَ“، ليست حلاً، بل أحيانًا تزيد من عُمق الجرح.
الصدمة النفسية ليست ضعفًا، بل رد فعل طبيعي من النفس التي صُدمت في أمانها.
والحديث عنها ليس ترفًا، بل ضرورة في عالم يمضي بسرعة، وينسى أن الإنسان ليس آلة.