الإختلاف رحمة

حين تختلف العقول… ويبدأ سوء الفهم

 في كثير من الأزواج، لا يكون الخلاف بينهم ناتجًا عن قلة الحب، بل عن الاختلاف في طريقة التفكير.
فالزوجة ترى التفاصيل، تلاحظ ما بين السطور، تحفظ الملامح والكلمات، بينما الزوج يميل إلى الصورة الكلية، ويكتفي بما يبدو واضحًا ومباشرًا.

هذا ليس نقصًا في أحد، بل تباين طبيعي في البنية العقلية بين الرجل والمرأة.

فالمرأة بطبعها ميّالة إلى التحليل الدقيق، تربط بين المشاعر والأحداث، تحفظ النبرة والنظرة وحتى التوقيت.
إن قالت له: “لماذا لم تلاحظ أنني منزعجة؟”
فهي تقصد: “لاحظ أنني صمتُّ فجأة، وأن نبرة صوتي تغيّرت، وأنني لم أبادلك الحديث كعادتي…”
لكن الزوج الذي يفكّر بطريقة شمولية، قد لا ينتبه لكل هذه الإشارات، لأنه لم يرَ شيئًا ظاهرًا يستدعي القلق.

وفي المقابل، حين يقول الزوج: “أنا مشغول في العمل”،
فهو يقصد فقط: “أنا مشغول في العمل”.
لكن الزوجة قد تبدأ بسلسلة من الأسئلة الداخلية: “هل يتهرب؟ هل فقد اهتمامه؟ هل يشعر بالملل؟”
لأن عقلها التحليلي لا يتوقف عند الجملة، بل يبحث في خلفيتها وإشاراتها الخفية.

الزوج يرى “ما هو الآن”، أما الزوجة فترى “ما هو الآن، وما وراءه، وما سبقه، وما يمكن أن يؤدي إليه”.
هو يتعامل مع المشهد، وهي ترى الفيلم كاملًا.

ولذلك، كثير من حالات التوتر في العلاقة لا تأتي من الفعل نفسه، بل من طريقة تفسيره.
هي تقول: “هو لا يهتم”… لأنه لم يسأل عن ملاحظة صغيرة قالتها قبل يومين.
وهو يقول: “هي تبالغ”… لأنه لم يربط الأمر بذلك التفصيل.

لكن حين يفهم كل طرف طبيعة عقل الآخر، يبدأ التفاهم الحقيقي.

الزوج الذي يعلم أن عقل زوجته يعمل كخيوط مترابطة، سيتوقف عن الاستهانة بالتفاصيل.
والزوجة التي تدرك أن عقل زوجها يميل إلى التركيز على جوهر الأشياء، ستكفّ عن تفسير الصمت بأنه تجاهل.

لأن التفاهم لا يعني أن نفكر بنفس الطريقة، بل أن نحترم طريقة تفكير الآخر ونتعلّم كيف نترجمها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *