هل الصراحة دائمًا مفيدة؟

في العلاقات الزوجية، كثيرًا ما تُقدَّم الصراحة كقيمة مطلقة، وكأن قول الحقيقة دائمًا هو الفعل الصحيح مهما كانت الظروف. لكن الواقع أكثر تعقيدًا من هذه الصورة المثالية. فالصراحة ليست مجرد “قول كل شيء”، بل فن قول الشيء المناسب، بالطريقة المناسبة، وفي التوقيت المناسب. وما لا يُقال أحيانًا، لا يعني بالضرورة كذبًا، بل احترامًا لمساحة الآخر.

أن تكون صريحًا لا يعني أن تُفرغ ما في داخلك كما لو أنك تُلقي حملًا عن كاهلك. الصراحة الناضجة تُفكَّر قبل أن تُقال، وتُوزَن قبل أن تُلقى. لأن الكلمة قد تبني جسرًا، لكنها قادرة أيضًا على تدمير ما بُني لسنوات. وليس كل ما نشعر به، يجب أن يُقال بالحرف، فبعض المشاعر تحتاج أن تُصفّى في دواخلنا أولًا، قبل أن نحمّل الآخر وزرها.

هناك من يستخدم الصراحة كذريعة للوقاحة، كأن يقول: “أنا فقط أقول الحقيقة”، بينما ما يقوله في جوهره ليس إلا قسوة مغطاة بقناع من صدق مزعوم. الحقيقة ليست مبررًا للأذى، والصراحة لا تعني التخلي عن اللطف. فالكلمة التي تَخرج من فمٍ غاضب، تُسمع في قلبٍ جريح كصفعة لا تُنسى.

لكن في المقابل، إخفاء الحقيقة خوفًا من رد فعل الآخر، أو مسايرة لحالة “السلام الظاهري”، ليس حلًا أيضًا. الصراحة مهمة، لأن العلاقة التي لا تُبنى على وضوح المشاعر والرؤية، تصبح هشّة. المهم فقط هو أن تكون الصراحة مفعمة بالنية الصافية، وأن تأتي من رغبة في التقريب، لا في التبرير أو الهدم.

الصراحة المفيدة هي التي تُنير لا تُحرق. هي التي تفتح بابًا لفهم أعمق، لا التي تسدّ طريقًا بالجرح. وبين قول كل شيء، وكتم كل شيء، هناك توازن دقيق، لا يُضبط إلا بالحب، وبالرغبة الصادقة في بناء علاقة لا تقوم على المجاملة، لكنها لا تنسى الرحمة أيضًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *