مفهوم “الذات المزيفة”

نحن لا نولد بأقنعة، لكننا نتعلم ارتداءها. في الطفولة، عندما يُقابلنا العالم بالحكم، بالتوقع، بالرفض… نبدأ في تشكيل صورة أخرى عن أنفسنا، صورة ترضي من حولنا، تحمينا من النقد، تُخفي الألم، وتُخفي نحن أيضًا. وهكذا، شيئًا فشيئًا، تبدأ “الذات المزيفة” في التكوّن.

الذات المزيفة ليست كذبة نقصد بها الخداع، بل آلية بقاء. هي الشخصية التي نبنيها لنشعر بالأمان. نكون “الابن المثالي”، “الفتاة المهذبة”، “الناجح دائمًا”، “القوي الذي لا ينهار”، حتى لو كنا نعيش داخليًا في فوضى صامتة. المشكلة ليست في القناع نفسه، بل في لحظة ننسى فيها أننا نرتديه، ونصدق أنه نحن.

حين نحيا في ذات مزيفة، نُتقن التمثيل ونفشل في الحضور الحقيقي. نتحدث، لكن لا نُسمِع صوتنا الحقيقي. نُحب، لكن من سطحنا لا من أعماقنا. نُنجز، لكن بلا لذّة. نُضحك الجميع، ونعود لنبكي في الخفاء. لأن الذات المزيفة تسرق شيئًا أساسيًا منا: الحرية.

أن تعود إلى ذاتك الحقيقية لا يعني أن تهدم كل ما كنت عليه، بل أن تبدأ في تمييز ما هو منك حقًا، وما زُرِع فيك. أن تسأل: هل هذا الحلم حلمي؟ هل هذه القناعة تمثّلني؟ هل هذا السلوك يعبر عني؟ أن تتجرأ على النبش في الداخل، لا بحثًا عن صورة مثالية، بل عن حقيقتك، حتى لو كانت غير مُرضية للكل.

الشفاء يبدأ من الاعتراف: بأنك تعبت من التظاهر، بأنك تشتاق إلى ذاتك التي كتمتها طويلًا. وأنك مستعد أخيرًا لتعيش كما أنت، لا كما يريدونك أن تكون. ففي هذا القرار، يولد شيء لا يُقدّر بثمن: أنت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *