متى تنجح لغة الصمت؟

ليس كل ما لا يُقال، يُنكر. ففي العلاقات العاطفية العميقة، كثيرًا ما يتجاوز الصمت حدود الفراغ إلى المعنى. قد يبدو غريبًا أن نعتبر الصمت شكلًا من أشكال التواصل، لكن بين الزوجين، يمكن أن يكون أحيانًا اللغة الأصدق. تلك اللحظات التي لا تحتاج إلى كلمات، لأن النظرة وحدها، أو لمسة بسيطة، تقول كل شيء.

الصمت قد يكون ملاذًا آمنًا في زمن الانفعال، وقد يكون فرصة لالتقاط النفس حين تكون الكلمات غير قادرة على حمل الألم أو التعبير عن الغضب. هناك أوقات لا يكون فيها الحديث مفيدًا، بل قد يزيد الشرخ اتساعًا. وحينها، يصبح الصمت فعلًا واعيًا، فيه احترام للمسافة، وفيه نضج لا يريد الانتصار في لحظة، بل يسعى لبناء علاقة طويلة الأمد.

لكن ليست كل أشكال الصمت إيجابية. فهناك صمت سام، صمت يتسلل كالجليد بين القلوب، صمت العقاب، أو التجاهل، أو التهرب من المواجهة. الصمت حين يُستخدم للهروب بدلًا من الاحتواء، يتحول إلى سلاح يقتل الحميمية ويزرع شعورًا بالعزلة.

الفرق بين الصمت الناضج والصمت الجارح، هو النية التي تحركه. هل أسكت لأنني أريد أن أُبقي الهدوء، أم لأنني لا أريد أن أسمع؟ هل أختار الصمت لأمنح نفسي وقتًا للتفكير، أم لأعاقب من أمامي؟ في العلاقة الزوجية، النية تسبق اللغة، وهي التي تحدد هل سيبني هذا الصمت جسرًا، أم يهدم كل ما تم بناؤه.

الصمت ليس ضعفًا، بل قد يكون تعبيرًا راقيًا عن الحكمة. ولكنه يحتاج إلى توازن، إلى أن يترافق مع العودة للكلام في الوقت المناسب، ومع وعد داخلي بعدم ترك الآخر في ظلمة لا يدري فيها ما الذي يحدث. وحده الصمت الذي يأتي بعد الحب، ويسير نحوه، يمكنه أن يكون لغة تقوي العلاقة، لا تهدمها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *