كيف تقول “لا” بأدب؟

من أصعب الكلمات التي يتعلمها الإنسان في حياته هي “لا”. ليست الصعوبة في نطقها، بل في ما تحمله من توتر داخلي: الخوف من أن نُفهم خطأ، من أن نُتَّهَم بالأنانية، أو من أن نفقد شخصًا بسبب رفض بسيط. لكن الحقيقة أن من لا يعرف كيف يقول “لا”، سيتورط في نعم كثيرة لا تشبهه، ويعيش حيوات صغيرة لا تخصه.

قول “لا” لا يعني العدوانية، بل الصدق. الصدق مع الذات أولًا، ومع الآخر ثانيًا. حين نوافق على ما لا نريده فقط لإرضاء أحد، نحن لا نحمي العلاقة… نحن نخون أنفسنا. والمفارقة أن العلاقات التي تُبنى على المجاملات، سرعان ما تنهار حين تصطدم بالواقع. بينما العلاقات التي تسمح بالاختلاف، تقوى لأنها تقوم على الوضوح لا التمثيل.

أن تقول “لا” بأدب يعني أن تمتلك حسًّا إنسانيًا راقيًا، يعرف كيف يضع الحدود دون أن يجرح، ويعبّر عن الرفض دون قسوة. أن تقول: “أفهم طلبك، لكن لا أستطيع تلبيته”، أو “أنا ممتن لك، لكنني بحاجة إلى وقت لنفسي”. كلمات بسيطة، لكنها تحفظ الاحترام المتبادل، وتحمي العلاقة من الاستنزاف.

في عالمٍ يتوقع منك أن تكون متاحًا دائمًا، يصبح قول “لا” فعلًا من أفعال الشجاعة. لأنه تذكير بأنك لست هنا لتُرضي الجميع، بل لتكون صادقًا مع نفسك. ولأن من يحبك حقًا، سيفهم أنك حين ترفض، لا ترفضه هو، بل ترفض ما لا يناسبك… وهذا الفرق يصنع كل شيء.

تعلم قول “لا” هو جزء من نضجك، من عنايتك بسلامك الداخلي، ومن إدراكك أن العلاقات الصحية لا تُبنى على التنازل المستمر، بل على التوازن. و”لا” التي تُقال بمحبة، أقوى من “نعم” تُقال باضطرار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *