كيف تحلون الخلاف أمام الأبناء؟

الخلاف بين الزوجين أمر طبيعي، بل لا يمكن لعلاقة إنسانية أن تخلو منه. لكن حين تحدث هذه الخلافات أمام الأبناء، يصبح الأمر أكثر تعقيدًا. فهنا لا يتعلق الموضوع فقط بما يشعر به كل طرف تجاه الآخر، بل بما يراه ويسمعه عقل صغير يتعلّم، من غير وعي، كيف يُفكّر، وكيف يحب، وكيف يختلف.

الطفل لا يملك أدوات التحليل التي نمتلكها نحن. هو لا يرى الخلاف كوجه من أوجه الحياة الطبيعية، بل كزلزال قد يهدم عالمه الصغير. عندما يسمع صراخًا، أو يرى أحد والديه ينسحب غاضبًا، أو يلاحظ توترًا صامتًا، يبدأ في بناء تفسيره الخاص: هل أنا السبب؟ هل سيتفكك البيت؟ هل الحب يختفي هكذا فجأة؟ أسئلة لا يُعبّر عنها الطفل دائمًا، لكنها تسكن فيه، وتؤسس لفهمه المستقبلي للعلاقات.

لهذا، لا يكفي أن نُجنّب الأطفال رؤية الخلافات، بل الأهم أن نُريهم كيف نختلف بوعي. أن نُظهر لهم أن الخلاف لا يعني العدوان، وأن الغضب لا يعني الانفصال، وأن الحب لا يغيب عند أول اصطدام. أن يرونا نختلف، ثم نهدأ، ثم نعتذر، ثم نتصالح. هذه هي التربية الحقيقية: أن نمنحهم نموذجًا يُطمئنهم أن العلاقات القوية لا تُقاس بغياب المشاكل، بل بطريقة معالجتها.

من المهم أن يظل الخلاف في حدوده، دون إهانات، دون تهديد، دون استدعاء لكلمات لا تُنسى. أن يعرف الطرفان أن هناك عيونًا تراقب، وأن كل فعل الآن، سيبني ذاكرة في نفس طفل لا يستطيع الدفاع عن نفسه. وأن الحب لا يُثبت فقط في لحظات العطاء، بل في كيفية إدارة اللحظات الصعبة أيضًا.

الخلاف أمام الأبناء لا يجب أن يكون لحظة رعب، بل يمكن أن يكون درسًا في النضج. فرصة لنقول لأطفالنا دون كلام: “نحن نحب بعضنا، حتى حين نختلف. ونحن نحبكم، لذلك نحاول أن نكون أفضل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *