في بدايات الحب، يكون كل شيء نضرًا، كل تفصيل صغير يدهش، وكل لقاء يحمل وعدًا جديدًا. لكن الزمن كفيل بأن يُطفئ البريق إذا لم نكن واعين لما يحتاجه القلب ليظل حيًا. فالشغف لا يختفي فجأة، بل يذبل بصمت، تحت ثقل التكرار، والروتين، والانشغال، حتى نجد أنفسنا في علاقة دافئة لكنها بلا نار، فيها الأمان لكن يغيب عنها الحنين.
الحفاظ على الشغف ليس مسألة صدفة، بل فعل إرادي يتجدد. حين نحب شخصًا، لا يعني أن الشغف سيبقى لمجرد أننا نريده. بل يجب أن نعيد اكتشافه فيه، مرة بعد مرة. أن ننظر إليه لا كما ألفناه، بل كما يمكن أن يكون. أن نحاور فيه الحاضر، لا الماضي فقط. الشغف لا يعيش في الذكرى، بل في الاندهاش المتجدد.
الخطأ الأكبر هو الظن بأن الحب المكتمل يعني الاستقرار الأبدي. في الحقيقة، الاستقرار قد يكون مهددًا إن لم يُقابَل بالحيوية. أن تعرف كل شيء عن من تحب قد يمنحك الطمأنينة، لكنه قد يسرق منك الفضول. لذلك، لا بد أن نتعلم كيف نحتفظ بشيء من الغموض، بشيء من المسافة التي تتيح الاشتياق، بشيء من الجرأة التي تدفعنا إلى مفاجأة الآخر وحتى أنفسنا.
ليس المطلوب أن تعود أيام البداية، بل أن نخلق بداية جديدة في كل مرحلة. أن نجرّب أشياء جديدة، نسافر ولو لبضع ساعات خارج الروتين، نطرح أسئلة لم نطرحها منذ زمن، ونكتب للذي معنا اليوم كما كنا نكتب له أول مرة. فالشغف لا يحتاج نارًا مشتعلة طوال الوقت، بل يحتاج نفسًا حقيقيًا ينفخ فيها من حين لآخر.
الحب الذي يدوم هو ذاك الذي يتجدد، لا الذي يتكرر. هو الذي يرى في الشخص نفسه ألف نسخة، يكتشفها كل مرة من جديد. وإن عرفنا كيف نحافظ على الدهشة، كيف نُبقي القلب يقظًا رغم العشرة، سنكتشف أن الشغف لا يموت، بل ينام فقط، في انتظار من يوقظه بحنان.