الامتنان ليس مجرد كلمة جميلة نرددها، ولا تمرينًا عابرًا نُجربه ثم ننساه. الامتنان هو موقف داخلي، طريقة نظر إلى الحياة، قدرة على رؤية النور حتى في لحظات الظلام. حين يُمارَس بصدق، يصبح الامتنان قوة حقيقية… قوة تغيّر زاوية الرؤية، فتغيّر معها كل شيء.
نحن نعيش في عالم يُغذّي الشعور بالنقص. إعلانات، مقارنات، توقعات لا تنتهي. وكلما ركزت على ما ينقصك، كبر في عينك، وأصبح محور وعيك. وهنا يأتي الامتنان كفعل مقاومة. أن تقول: “نعم، هناك ما أريده ولم أبلغه، لكن هناك أيضًا ما أملكه ولم أعد أراه”. أن تتوقف، للحظة، وتقدّر تفاصيل صغيرة: صوت من تحب، دفء بيتك، قدرة جسدك على التنفس، كوب ماء بارد في يوم حار.
الامتنان لا ينكر الألم، لكنه يضيء مساحات النعمة داخله. لا يقول لك “كن سعيدًا رغم كل شيء”، بل يقول لك “انظر أيضًا إلى ما لم تفقده بعد”. هو لا يُلغِي الحزن، بل يمنعك من الغرق فيه بالكامل. هو مرساة نفسية تحفظ توازنك حين تهتز بك الحياة.
والجميل في الامتنان أنه لا يحتاج ظروفًا مثالية. بل على العكس، يظهر في أقوى صوره حين تكون الحياة غير مثالية. أن تقول “الحمد لله” في قلب التعب… تلك شجاعة. أن ترى الجمال في أبسط ما حولك… تلك نعمة. وأن تذكّر نفسك، كل يوم، أن الحياة لم تكن دائمًا عادلة، لكنها منحتك ما يكفي لتبدأ من جديد.
مارس الامتنان لا كواجب، بل كعادة حب. اكتب كل صباح شيئًا واحدًا تشعر بالامتنان لأجله. كرر في داخلك: “أنا ممتن”. ومع الوقت، ستُلاحظ: العالم لم يتغير، لكنك… صرت ترى النصف الممتلئ من الكأس، وذاك وحده بداية شفاء لا يُقدّر بثمن.