فهم الذات أولاً

قبل أن تُصلح علاقتك بالعالم، عليك أن تُصالح نفسك. لأن أغلب ما نعانيه خارجيًا، يبدأ من الداخل: من صراعات الهوية، من أسئلة لم تُجب، من جروح قديمة لم تُفهم، ومن ملامح فينا لم نعترف بها بعد. فهم الذات ليس ترفًا فكريًا، بل هو رحلة وجودية نحو الوضوح… ونحو السلام.

“من أنا؟” سؤال يبدو بسيطًا، لكنه في العمق سؤال زلزالي. لأن وراءه تختبئ كل الحكايات التي نرويها لأنفسنا، عن أنفسنا. هل أنت ما قيل لك أنك عليه؟ أم ما اكتشفته بنفسك؟ هل تعيش حياتك لأنك اخترتها؟ أم لأنك فقط سرت في طريق رُسم لك دون وعي؟ حين لا نطرح هذه الأسئلة، نصبح ضحايا للعادة، وأسرى لتصورات الآخرين عنّا.

فهم الذات لا يعني أن تكون كاملاً أو بلا عيوب، بل أن تكون صادقًا. أن تنظر إلى الداخل دون تزييف، أن ترى نقاط قوتك وتحتضن ضعفك، أن تُصادق ظلالك بدل أن تُخفيها. لأنه ما لم تفهم من أنت، ستظل تبحث عن نفسك في عيون الآخرين، في رضاهم، في تعريفاتهم. وستعيش مشتتًا بين ما تتظاهر به… وما أنت عليه فعلاً.

الصدق مع الذات يولّد وضوحًا، وهذا الوضوح هو أساس كل اختيار سليم. لأنه حين تعرف من أنت، ستعرف ما تحتاج، وما تستحق، وما يجب أن تتجاوزه. لن تعيش في ردّات الفعل، بل في فعل واعٍ ينبع من مركزك الحقيقي. ولن تكون فريسة سهلة للتلاعب أو الإرضاء القهري، لأنك ببساطة… تعرف نفسك.

فهم الذات لا يأتي دفعة واحدة. إنه تراكم تأمل، وصدق، وتجارب، وأحيانًا ألم. لكنه، رغم صعوبته، هو أجمل ما يمكن أن يمر به الإنسان. لأنك حين تصل إلى نفسك… تجد العالم أيضًا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *