في حياتنا، هناك علاقات نولد فيها، وأخرى نختارها. العائلة تمثل الأولى، والأصدقاء يمثلون الثانية. لكن بين هذين العالمين، كثيرًا ما نجد أنفسنا عالقين بين ما يُفترض أن يكون، وما نحتاج إليه فعليًا. لأن الرابط البيولوجي لا يضمن دائمًا القرب العاطفي، والصداقة التي نختارها بحرية قد تصبح أحيانًا أقرب من أي رابطة دم.
العائلة تمنحنا الجذور، التاريخ، الشعور بالانتماء الأول. لكن أحيانًا، تُثقلنا بالتوقعات، بالأدوار المفروضة، وبصوت داخلي يقول لنا من يجب أن نكون لا من نحن فعلاً. في المقابل، تمنحنا الصداقة فرصة أن نكون كما نحن، بلا أحكام مسبقة، بلا تراتبية عمرية أو عائلية، فقط حضور متبادل قائم على التقدير والرغبة في المشاركة.
لكن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في التعامل مع كل منهما على حدة، بل في كيفية الموازنة بين الاثنين. أن تعرف كيف تحافظ على علاقة صحية مع عائلتك، حتى حين تختلفون، وأن تحيط نفسك بأصدقاء يُشبهون حقيقتك، لا فقط ظروفك. لأن العلاقات لا تُقاس بمدى قربها الزمني، بل بعمقها، وبقدرتها على احتواء الإنسان حين يكون هشًا وصادقًا.
ولعل أجمل ما في الحياة أن يكون لدينا من نعود إليه لأننا ننتمي، ومن نذهب إليه لأننا نريد. أن نكون محاطين بعلاقات لا تُشعرنا أننا مجبرون، بل أننا مختارون، محبوبون بصدق، لا فقط لأننا “من العائلة”، أو “من القدامى”.
العائلة والأصدقاء، حين يكون لكل منهم مكانه الطبيعي، يصنعون دائرة أمان نعيش في وسطها دون أن نخشى أن نضيع. لأن الإنسان لا يحتاج إلى الكثير… فقط إلى من يُشبهه، ويقبله، ويمنحه المساحة ليكون نفسه دون تفسير.