أن تُنجب طفلًا مع شخص، لا يعني بالضرورة أنك تربيه معه. فكم من علاقة جمعت بين أبوين بيولوجيًا، لكنها كانت مليئة بالوحدة، وسوء التفاهم، والانفصال العاطفي في تفاصيل التربية اليومية. الشراكة الحقيقية في تربية الأبناء لا تعني تقسيم المهام بالتساوي، بل تعني أن يكون كل من الطرفين حاضرًا، باختياره، في قلب الرحلة التربوية، لا على هامشها.
الشراكة تبدأ من الإيمان بأن الطفل لا يحتاج فقط إلى رعاية جسدية، بل إلى اتساق عاطفي بين من يربيه. أن يرى بين والديه تواصلًا لا يُشترط أن يكون مثاليًا، لكنه واضح، متماسك، ويُشعره أن هناك من يحمله من جهتين، لا جهة واحدة. لأن الطفل، حين يشعر أن هناك طرفًا غائبًا أو مترددًا أو يُترك على الهامش، يبدأ في البحث عن الأمان في الخارج، أو يحمل في داخله شعورًا دائمًا بالاختلال.
الشراكة في التربية لا تُقاس بمن غيّر حفاضات أكثر، أو من ساعد في الواجبات أكثر، بل بمن حضر قلبًا وروحًا. بمن قال: “أنا معك”، لا فقط للأبناء، بل للشريك في هذه الرحلة. بمن تحمّل الإرهاق دون أن يجعله مبررًا للغياب، وبمن استمع حين لم يكن هناك وقت للكلام.
التربية مسؤولية ثقيلة، لا يمكن أن يحملها طرف واحد دون أن ينكسر. وقد يبدو في بعض اللحظات أن أحد الشريكين أكثر قدرة أو صبرًا، لكن القوة لا تعني الاستمرار وحدك، بل معرفة متى تطلب الدعم، ومتى تمد يدك دون أن تخجل.
حين يكون هناك وعي بالشراكة، يصبح الأطفال أكثر توازنًا، لأنهم ينشأون في بيت لا يرى فيه الحب من طرف واحد. يرون النقاش، الاختلاف، التعاون، وحتى الفشل، لكنهم يرون أيضًا النية المستمرة في العمل المشترك. وهذه النية، وحدها، كافية لصناعة جيل لا يرى في المسؤولية عبئًا، بل امتدادًا للحب.