لا أحد يدخل الزواج خالي الوفاض. كل منا يحمل داخله صورة مسبقة، مزيج من الأفلام، والتجارب الشخصية، والقصص التي سمعناها منذ الطفولة. نعتقد أننا نعرف ما ينتظرنا، نرسم تصورات لما ستكون عليه الحياة المشتركة، ونبني على تلك التوقعات مشاعرنا، وقراراتنا، وحتى أحلامنا. لكن الواقع، كما هي عادته، لا يلتزم بتلك التصورات. بل يطرق الباب بأيدٍ مختلفة، يحمل معه العادي، والمفاجئ، والمرهق، والجميل، في آنٍ معًا.
المشكلة لا تكمن في وجود التوقعات، بل في أن نُصرّ على أن الواقع يجب أن يطابقها. حين نواجه الفروقات بين ما تخيلناه وما نعيشه، نشعر بالخذلان، لا لأن الطرف الآخر خذلنا، بل لأن الصورة التي رسمناها انهارت. نكتشف أن الزواج ليس دائمًا تناغمًا، وأن الحب لا يُبقي الأمور سهلة دائمًا. نكتشف أن الاختلافات اليومية ليست استثناءً، بل هي القاعدة.
وفي هذا الانهيار الرمزي، تظهر فرصة النمو. ففي لحظة تصدّع التوقعات، يبدأ البناء الحقيقي. حين نرى الآخر كما هو، لا كما أردناه أن يكون، نبدأ في ممارسة الحب الناضج: الحب الذي لا يعتمد على الخيال، بل على التقدير. الحب الذي لا يُكافأ فقط عندما تسير الأمور كما نريد، بل يستمر حتى حين يخالفنا الواقع.
الزواج الناجح لا يعني أن الواقع أجمل من التوقعات، بل أن الزوجين تعلّما كيف يحبّان بعضهما في قلب التفاوت بينهما. أن يكونا قادرين على الابتسام وسط التعب، وعلى الإنصات رغم الضجر، وعلى بناء معنى جديد كلما تبدّل القديم. فالحب الحقيقي لا يتشبث بالصورة، بل يخلق ألف صورة جديدة، كل يوم، من تفاصيل الحياة المشتركة.