اختيار الأصدقاء بوعي

الأصدقاء ليسوا مجرد أشخاص نقضي معهم الوقت، بل هم امتداد غير معلن لأنفسنا. نختارهم، فننتمي من خلالهم. نتأثر بهم دون أن نشعر، ونُعيد تشكيل نظرتنا إلى العالم من خلال علاقتنا بهم. ولهذا، فإن اختيار الأصدقاء ليس قرارًا بسيطًا أو عابرًا، بل خطوة تحدد الكثير من مسارنا النفسي، وحتى قيمنا الداخلية.

في مرحلة الطفولة، نختار أصدقاءنا بدافع القرب أو اللعب أو التشابه السطحي. لكن مع النضج، تصبح الصداقة شيئًا أعمق: دعمًا عاطفيًا، حوارًا يعكس أفكارنا، أو صمتًا مطمئنًا لا يشعرنا بالوحدة. وهنا يصبح الوعي ضروريًا. ليس كل من يشاركنا الضحك أهلًا لأن يشاركنا المساحة الداخلية التي نحميها بشدة.

اختيار الأصدقاء بوعي لا يعني أن نصبح انتقائيين لدرجة العزلة، لكنه يعني أن نُدرك من يؤثّر فينا، ومن يجعلنا ننمو، ومن يسرق منّا طاقتنا باسم الصحبة. فالصديق الحقيقي لا يُنافسنا، ولا يُشعرنا بالنقص، ولا يستخدمنا كمرآة لغروره. بل هو ذلك الذي يراك في أسوأ حالاتك، ولا يتخلّى. من يصدقك في الهدوء، لا فقط حين تكون ممتعًا أو ناجحًا.

والأهم من كل هذا، أن اختيار الأصدقاء يعكس في جوهره ما نراه نحن في أنفسنا. فمن يرضى بالقليل من الاحترام، غالبًا لأنه لم يعتد على الاحترام من الداخل. ومن يقبل علاقات سطحية ومؤذية، قد يكون لأنه لم يذق طعم العلاقة الآمنة بعد. ولهذا فإن اختيار الأصدقاء لا يبدأ من الخارج، بل من قرار داخلي بأنك تستحق الأفضل، وأن القرب لا يجب أن يأتي على حساب سلامك.

في النهاية، العلاقات الصادقة لا تُبنى بالصدفة، بل تُختار. ورفقة الطريق لا يجب أن تكون ازدحامًا، بل نسيجًا من أرواح تشبهك، تُحبك، وتدفعك نحو ما هو أنقى فيك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *